مقالات

فيلادلفيا تحت السيطرة: خطة التهجير الناعم من غزة إلى سيناء

بقلم: نضال محمد الرنتيسي
إعلامي متخصص في الشؤون الاقتصادية

ما يحدث اليوم في قطاع غزة لا يبتعد كثيرًا عن مشاهد نكبة العام 1948، لكن الأدوات تغيّرت؛ فالتهجير لم يعد يتم بفوهات البنادق وحدها، بل عبر “الوساطات الإنسانية” و”المبادرات الإغاثية”، التي تهدف في حقيقتها إلى تفريغ غزة، وإنهاء حق العودة، وتذويب الشعب الفلسطيني في محيطه العربي، لينتهي كقضيةٍ سياسيةٍ قابلةٍ للحل على الورق فقط.

منذ أن أحكم الجيش الإسرائيلي سيطرته على معبر رفح البري، واحتل بالكامل محور فيلادلفيا، الممتد على الحدود الجنوبية لفلسطين مع مصر، تغيرت قواعد اللعبة السياسية والإنسانية في الصراع، ولم تعد السيطرة على الأرض مجرد خطوةٍ عسكرية، بل تحوّلت إلى أداةٍ استراتيجيةٍ لإعادة تشكيل الواقع السكاني والجغرافي لقطاع غزة.

وسط هذا المشهد المعقّد، تواصل جمهورية مصر العربية محاولاتها ومساعيها الحثيثة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح البري، ورغم جهود التنسيق المستمر، فإن الرد الإسرائيلي، وبتنسيق واضح مع الوسيط الأمريكي، يتكرر بنفس النغمة: “استضيفوا الفلسطينيين على أرض سيناء، أطعموا أبناءهم، اسقوهم، وفرّوا لهم مخيمات مؤقتة… وعند انتهاء العمليات العسكرية، سنُعيدهم إلى ديارهم”، لكن بين هذه السطور، تكمن النوايا الحقيقية، التهجير وليس أي شيءٍ آخر.

تعلم القيادة المصرية جيدًا أن عبارة “العودة إلى الديار” ليست سوى وهم سياسي، ومصطلح دبلوماسي فضفاض لا يعكس الحقيقة، فالنية المبيّتة لدى صُنّاع القرار في تل أبيب، والداعمين لهم في واشنطن، لا تتمثل في توفير الغذاء والدواء، بل في فرض واقعٍ ديموغرافيٍ جديدٍ عبر مشروعٍ تهجيريٍ ناعم، يُمهّد لتصفية القضية الفلسطينية من بوابة غزة، فما ترفضه مصر، ومعها كل من يُدرك أبعاد الخطر، هو أن تتحوّل سيناء إلى مخيم لجوءٍ فلسطيني دائم، وأن تصبح غزة المحتلة أرضًا بلا سكان.

ورغم الضغوط الهائلة، فإن الموقف المصري الرافض للتوطين في سيناء يبقى موقفًا وطنيًا وتاريخيًا يستحق الدعم، لأنه لا يتعلّق فقط بغزة، بل بمستقبل فلسطين كلها، وبتوازنات المنطقة بأكملها.

زر الذهاب إلى الأعلى